الوكالة السيبرانية تحتل الساحات والمساحات

 

لم تعد القوات المسلحة الضخمة أو الميليشيات أو المنظمات الإرهابية أحد متطلبات حروب الوكالة، بعد أن قوضت التطورات، على صعيد الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، حتمية وضرورة الوجود على الأرض للقوى المذكورة كأحد متطلبات تلك الحروب، إذ يمكن لأجهزة الكومبيوتر أن تُحدث أضراراً في البنى التحتية للدول على نحو تعجز الجيوش العسكرية عن إحداثه.

لقد أثرت الثورة التكنولوجية في نظرية الوكالة، خاصة بعد أن بات الفضاء السيبراني وكيلاً عن الفضاء المادي، لينشئ بذلك حدوداً جغرافية جديدة بين مختلف الفاعلين. فقد بات الأنترنت مساحة جديدة للمعارك، وهي الساحة التي يصعب في إطارها معرفة هوية الخصوم على وجه الدقة، بما يؤجج استراتيجيات الحروب السيبرانية طويلة الأمد. فقد يسفر استخدام الشركات العسكرية والأمنية عن اندلاع حروب عسكرية بالوكالة على المدى الطويل. إلا أن حروب الوكالة السيبرانية تمتاز بالمجهولية، وذلك في ظل تعدد الآليات التي من شأنها أن تخفي هويات الأطراف المتصارعة إلى حد كبير.

 

ماهية "الوكالة السيبرانية" 

"الوكالة السيبرانية" يعد هذا المفهوم أحد أبرز المفاهيم الجديدة على صعيد نظرية الوكالة. ولقد تم الإشارة إلى مصطلح " الوكلاء السيبرانيين" في اثنتان من الوثائق البارزة التي تتصل بقواعد الفضاء السيبراني في العام 2013. فقد اتفق فريق الخبراء الحكوميين في ميدان المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية في مجال الأمن الدولي (UNGGE) - والمكون من 15 دولة، أبرزها: الولايات المتحدة الأميركية، والصين، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا والهند - في تقرير لهم على عدم استخدام الوكلاء لارتكاب أعمال غير مشروعة دولياً.

 كما تكرر الإشارة إلى مصطلح "الوكلاء السيبرانيين" ثلاث مرات، بما في مقدمة التقرير للأمين العام للأمم المتحدة، إلى جانب الفقرة السادسة التي نصت على أنه لا يجوز للأفراد، أو الجماعات، أو المنظمات – بما ذلك المافيا – أن تعمل كوكلاء للدول في تصرفات ضارة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهو ما تكررت الإشارة إليه في الفقرة رقم23 من التقرير المذكور.

يمكن تعريف “الوكلاء السيبرانيين" بوصفهم "وسطاء يقومون أو يسهمون بشكل مباشر في الهجمات السيبرانية، بما يحدث تأثيراً يستفيد منه آخر، أو هم الخوادم الوسيطة بين المستخدمين والشبكة العالمية، أو مجموعة من المتسللين بعمليات سيبرانية نيابة عن الرعاة"، أو الفاعلون من غير الدول الذين يقومون بعمليات سيبرانية مسيئة لتحقيق أهداف سياسية نيابة عن دولة راعية. فقد توفر الدولة المستفيدة التدريب، والمعدات، والدعم اللوجيستي للوكيل السيبراني، بما يتيح له القتال بشكل غير مباشر نيابة عنها.

 

أطراف الفضاء السيبراني

في الفضاء السيبراني، هناك ثلاثة أطراف رئيسية، أولها الرعاة، وثانيها الوكلاء السيبرانيين. وثالثهما الفاعل المستهدف. وكل طرف من الأطراف الثلاثة قد يكون دولة أو فاعلاً من غير الدول. وبطبيعة الحال، ينصب تركيز النظرية على الرعاة فاعلاً من غير الدول على شاكلة، المرتزقة، والقراصنة، والميليشيات السيبرانية، وغيرهم. في المقابل، قد يستغل فاعل من غير الدول بعض الدول الهشة للعمل من خلالها، أو قد يوظف فاعلاً آخر على شاكلته كاستعانة القراصنة ببعضهم بعضاً لتحقيق مختلف الأهداف.

 

سمات "الوكلاء السيبرانيين"

كذلك تتعدد سمات "الوكلاء السيبرانيين" وخصائصهم، ويمكن إجمال هذه السمات على الشكل التالي:

‌أ-  الهيئات الحكومية كوكلاء سيبرانيين: يمكن للدول شن هجمات سيبرانية هجومية، عبر وكالاتها الحكومية المتخصصة في الاتصالات والاستخبارات.

ب-  توظيف الوكلاء السيبرانيين، بالتوازي مع الأدوات العسكرية، ويمكن للدول أن تعمل في الفضاء السيبراني بشكل مباشر وغير مباشر عن طريق الوكلاء، مما يشجع أو يوجه سلوكك المتسللين، أو مجرمي الأنترنت.

‌ج-   تزايد توظيف "الوكلاء السيبرانيين": لقد ارتفعت نسبة استخدام الوكلاء، منن قبل الدول ضد مختلف الأهداف، خاصة أن ذلك يحول دون تورط الدول المُحرضة، وسهولة التنصل من المسؤولية عن الهجمات السيبرانية، وصعوبة إسناد الاتهام بالهجمات إلى مرتكبيها، خاصة أن ذلك ينطوي على مشاركة معلومات استخباراتية. لذلك كان العقد الماضي عقد العمليات السيبرانية الهجومية التي أصبحت أداة أساسية لأغراض التجسس والإكراه.

 

الخلاصة أننا سنشهد تزايد في أنماط الوكالة السيبرانية لتنفيذ عمليات تخريبية مستقبلاً، خاصة في ظل تقلص تكلفة استخدام "الوكلاء السيبرانيين"، مقارنة بالاعتماد على القوة العسكرية المباشرة، مع إمكانية الاعتماد على الشبكات السوداء لامتلاك أدوات الهجوم، واستغلال البرامج المتطورة، دون الحاجة إلى الاستثمار في تطويرها أو تحديثها، ودون إسناد الهجوم السيبراني لمرتكبيه. كما قد تتزايد احتمالات الحروب السيبرانية، في توجه الدول لتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأدوات للحرب، والمخابرات والسياسة. ويبقى الأسوأ بأن العالم العربي بشبابه وشيّابه ينظر إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة ترفيه وتسلية ليس أكثر.

العودة إلى الصفحة الرئيسية

رزنامة الإتحاد

جميع الحقوق محفوظة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية