لا بد من تطور تكنولوجيا المعلومات الا أن وسائط التواصل الاجتماعي تساعد في انتشار الشائعات بشكل سريع وعلى نطاق واسع، وتترك تأثيرها على جمهور عريض جدا. وفي ظل تنامي ظاهرة الإرهاب، برز شكل جديد من الإرهاب هو"الإرهاب الفردي المعلوماتي" وأعني بذلك مُطلق الشائعة الفردي بواسطة تكنولوجيا المعلومات وعبر شبكات التواصل الاجتماعي. أسميته إرهاباً كونه يعادل في قوة تدميره وآذاه ما تفعله العمليات الإرهابية.
تتعدد المصطلحات التي يتم استخدامها للإشارة إلى ظاهرة الإرهاب الفردي، فهناك الإرهاب الحر (Freelance Terrorism) والإرهاب بلا قيادة (Leaderless Terrorism)، وإرهاب الفاعل الأوحد (Solo-actor Terrorism)، والجهاد الفردي (Personal Jihad)، بالإضافة إلى الذئب المنفرد (Lone Wolf).
وقد صيغ مفهوم "الذئب المنفرد" في أواخر التسعينيات على يد كل من توم مينزجر وألكيس كورتيس، اللذين كان يحرضان الأفراد العنصريين على القيام بأعمال إجرامية بصورة أحادية، وذلك تجنباً لتعقب الشرطة لهم.
لقد قدمت العديد من التعريفات لظاهرة الإرهاب الفردي، حيث يتمثل أبرزها في: "قيام فرد واحد بعمليات إرهابية لدوافع سياسية أو دينية ضد أهداف غير عسكرية، من دون توجيه خارجي أو تنسيق"، في حين أضاف البعض مؤخراً الإرهاب السيبراني، الذي يتم من خلال فرد واحد باعتباره أحد صور الإرهاب الفردي، ومن ثم بروز مفهوم الوكالة السيبرانية.
لكن لماذا أخفقت الأجهزة الأمنية في مكافحة "الإرهاب الفردي المعلوماتي" الذي يستخدم الشائعة كسلاح، قد يكون السبب هو عدم وجود عدد كافٍ من الأفراد لدى الأجهزة الأمنية لتعقب العناصر الإرهابية، حيث تتطلب مراقبة العنصر الواحد المشتبه به على مدار الساعة حول 30 – 40 شخصاً، وهو ما يدفع تلك الأجهزة إلى ترتيب هؤلاء الأفراد من حيث الخطورة، واختيار العناصر الأشد خطورة من منظور هذه الأجهزة لمراقبتهم ورصدهم، وهو ما يفتح باب أما سوء تقدير خطورة بعض الأفراد، بما يؤدي لعدم مراقبتهم، وتواجه أجهزة الاستخبارات صعوبة في تحليل كل المحادثات التي تتم من قبل الأفراد، هذا عدا عن عدم قدرة متابعة الشائعات وانتشارها السريع، ويبقى أن تشابك الشائعة مع العمل الإعلامي وخاصة في حال وجود وسائل إعلام قد تساهم في توسيع انتشارها وتغذيتها بتغطيات مباشرة على الهواء، أو مواكبة برامجية. كما أن الأكثر سوءاً وجود سوء إدارة وانقسام من قبل السلطات السياسية في ظل فساد بنيوي، فتكون هنا الطامة الكبرى. أي أن يكون هناك هشاشة في الدولة.
آليات مكافحة الشائعات في الفضاء السيبراني
استخدام الشائعات كسلاح سياسي ليس بالأمر الجديد، بل ظلت الأخبار المزيفة جزءًا رئيسيًّا من حملات الدعاية والحروب النفسية عبر عقود، ولكن تكتسب الشائعات عبر الإنترنت زخمًا جديدًا في ظل عوامل رئيسية، أهمها: اتساع نطاق الانتشار بما قد يمتد للعالم أجمع، وسهولة تجهيل مصدر الشائعة وإطلاقها، خاصة مع انتشار الحسابات الوهمية التي قدّر فيس بوك عددها بنحو 83 مليون حساب عام 2012، ووصلت اليوم الى 3 مليار متابع، إلى جانب إمكانات الانتشار السريع عبر الشبكات الاجتماعية، وكذلك توافر أدوات تزييف الصور وفبركة الفيديوهات التي تضفي حبكة محكمة على محتوى الشائعة وتساعد في انتشارها.
ولم تعد الشائعة بمفهومها التقليدي هي المحتوى المضلل الوحيد على الشبكة، وإنما تنوعت أساليب التزييف والتضليل في بيئة المعلومات، والتي حددتها كلير ورادل Claire Wardle، الباحثة بمشروع "فيرست درافت First Draft" لمكافحة الأخبار الزائفة حول العالم، في مقال لها في شباط الماضي (2017) بعنوان "الأمر ليس سهلاً عندما يتعلق بالأخبار الزائفة" في عدة أنواع، هي:
1- المحتوى الملفق وهو غير صحيح في معظمه ويهدف للخداع والأذى.
2- المحتوى المزور الذي ينتحل هوية المصادر الحقيقية.
3- المحتوى المضلل الذي يستخدم المعلومات بطريقة مضللة لتوجيه الاتهام زورًا. والتلاعب بالمحتوى. والسياق المزيف. والربط المزيف بوضع عناوين أو صور ليس لها صلة بالمحتوى. وأخيرًا التهكم أو السخرية التي قد تتسبب أيضًا في التضليل.
وقد استحوذت شبكات التواصل الاجتماعي على جانب كبير من الاهتمام عند بحث انتشار الشائعات عبر الإنترنت، في ظل انتشارها العالمي وإمكاناتها لتعزيز فرص النشر والتواصل. وقد طرح فانج ليو وآندرو بارتون من جامعة كوينزلاند بأستراليا نموذجًا لإعادة نشر الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي في فترات الأزمات والكوارث، جمع بين نموذجي نشر الشائعات واحتمالية التفسير Elaboration Likelihood model.
وحدد هذان الباحثان خمس مدخلات رئيسية تحكم اتجاه الأفراد لإعادة نشر محتوى الشائعة، وهي: القلق، أي تعبيرات الذعر والقلق التي يشعر المتلقي بأنها تعبر عما يشعر به في تلك الفترة ما يدفعه لإعادة نشر الشائعة. والانخراط الشخصي، أي أن تعبر الشائعة عن تجربة شخصية أو شهادة عيان. وغموض المحتوى والمرسل، حيث يميل الناس للبحث عن مصادر ذات مصداقية لديهم أكثر من اهتمامهم بالمحتوى نفسه. وأخيرًا الجاذبية، إذ يميل الأفراد للتأثر بالمحتوى الذي يتضمن صورًا أو فيديو إلى جانب النصوص.
وإذ قامت تلك الدراسة بتحليل دوافع نشر الشائعات تحت تأثير الاضطراب الناتج عن أزمة أو كارثة، إلا أن الواقع يشير إلى الدور البالغ الذي باتت "مكبرات الشائعات" تمارسه في تعظيم نطاق تلك الأكاذيب وتأثيرها، وهي المكبرات التي تتمثل بشكل رئيسي في مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل امتلاك كل مستخدم أدوات لإعادة النشر والتداول عبر شبكة لا نهائية تمنح فرصًا هائلة للانتشار واسع النطاق، وكذلك في الإعلاميين الذين يعيدون تدويرها لأسباب عديدة يرجع بعضها للافتقاد لمهارات التدقيق والتحقق، أو الرغبة في الذيوع والانتشار. فقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة كولومبيا عام 2015 أن عددًا كبيرًا من وسائل الإعلام الإلكترونية ساهم في التضليل لتحصد مزيدًا من الزيارات لمواقعها.
آليات الرصد والمكافحة
إذا كانت التكنولوجيا عاملاً فاعلاً في هذا الانتشار الكبير للشائعات والأكاذيب عبر فضاء الإنترنت، فإنها أيضًا وفّرت الحلول لمكافحة تلك الأكاذيب ومحاصرتها، وذلك عبر أدوات جديدة استحدثتها شركات التكنولوجيا ومعامل الأبحاث، والتي يمكن تحديد أهمها في:
أولاً-تطبيقات الذكاء الاصطناعي: والتي تعتمد على خوارزميات متطورة لتحليل المعلومات ورصد الأخبار المزيفة بشكل فوري وأوتوماتيكي وأكثر سرعة من مجموعات رصد المعلومات المزيفة التقليدية.
وقد قامت شركة غوغل خلال عام 2016 بتمويل 20 مشروعًا أوروبيًّا يعمل على التحقق من المعلومات، تضمنت مشروعين في بريطانيا استخدما تقنيات الذكاء الاصطناعي لمكافحة الأخبار المزيفة إبان الانتخابات البرلمانية في المملكة المتحدة.
كما نشر موقع فيس بوك ورقة باسم عمليات المعلومات في نيسان 2017 تضمنت تطوير خوارزميات قادرة على رصد الحملات المنظمة الهادفة لنشر الشائعات عبر رصد هذا النوع من السلوك المُمنهج لنشر أخبار بعينها، وهي الخوارزميات القادرة على منع الحسابات الوهمية، ورصد نشر الحساب للخبر ذاته بشكل متكرر، أو قيامه بإرسال مراسلات بشكل مشبوه.
ثانيًا-التعقب الرقمي: وهي الحلول التي لا تكتفي برصد الشائعة فقط، ولكنها تعمل على تتبع انتشارها، وتعقب مصدرها، والتحقق من عناصرها بشكل فوري ومنظم. ومن أبرز أمثلتها موقع Emergent، وهو جزء من مشروع بحثي تابع لمركز "تو للصحافة الرقمية" بجامعة كولومبيا، ويقوم الموقع بوضع لافتات على الشائعة، بحيث يوضح كونها شائعة أو معلومة صحيحة أو غير مؤكدة بعد، وبالضغط عليها يوضح مصدرها وحجم انتشارها وغيرها من المعلومات.
ثالثًا-مراكز التحكم في الشائعات: وهي مراصد مزودة بالتقنيات والتطبيقات التقنية اللازمة لمتابعة الفضاء السيبراني ورصد الشائعات، خاصة في فترات الأزمات والطوارئ. وقد أشار الباحث أونوك من جامعة ورك البريطانية في دراسته حول انتشار الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أهمية تلك المراكز لدحض التضليل، وتزويد المواطنين في الوقت المناسب بالمعلومات الصحيحة من خلال قنوات الإعلام والتواصل المختلفة، مثل: مواقع الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، وخدمات التغذية الفورية، والبريد الإلكتروني، والرسائل الهاتفية، فضلا عن وسائل الإعلام التقليدية، وهي التغذية المتدفقة التي تمثل تيارًا مضادًّا يحاصر انتشار الشائعات ويمنع تداولها، مشيرًا إلى الدور الإيجابي الذي لعبه مركز التحكم في الشائعات التابع للوكالة الأميركية الاتحادية لإدارة الطوارئ خلال إعصار ساندي.
ما فتئ العقل البشري قادراً على الابتكار الأساليب والأدوات، للبناء أو الدمار، وتستمر الحرب بين الخير والشر، والصدق والنفاق إلى يوم تشخص فيه الابصار، الى اليوم المنتظر...وأن الفجر لقريب...
العودة إلى الصفحة الرئيسية