مستقبل الذاكرة في العصر الرقمي

يتذكر كثر مقولة "شبيك لبيك عبدك بين إيديك" قديما، وفي عصر تكنولوجيا المعلومات والتواصل، وفي وقت أصبح أهم الآمال في هذا العصر الرقمي والأكثر إثارة، هو الوصول الآني والسهل إلى المعلومات.

في العام 1990 تحدث بيل غيتس في خطاب عن فكرة "المعلومات طوع بنانك". المهم اليوم أننا مع وجود شبكة الانترنت والحواسيب والأجهزة التي تملك قدرة وطاقة على تخزين المعلومات تبلغ أضعاف ما كانت عليه القدرة 1990. حيث أننا دخلنا عصر التذكر الكلي.

 

الذاكرة البيولوجية والذاكرة الرقمية

تُخزن الذكريات في أدمغتنا على شكل نماذج من الاتصالات بين العصبونات والخلايا العصبية، بينما تخزن الحواسيب تخزن البيانات في سلاسل من المفاتيح الميكروسكوبية التي تكون في حالة فصل أو وصل.

تخزن كل من في الأدمغة والحواسيب المعلومات وتعالجها وتستخدمها لتختار بين مسارات الفعل، ولهذا السبب نقول إن لكلا النظامين "ذاكرة"، إلا أن الشبه لا يستمر إلا في نطاق التقريب الأولي. فما إن تتعمق في الأمر حتى تجد فروقات شاسعة بين الذاكرة البيولوجية والذاكرة الرقمية.

بالنسبة إلى صاحب العقل البشري، تبدو الذاكرة كأنها مصدر واحد، إلا أنه يكتشف أن هذا الشعور مجرد وهمز، فالعلماء الذين يدرسون الذاكرة البيولوجية يصنفون ثلاثة أنظمة متمايزة:

  • الذاكرة الإجرائية، والتي تُعرف أحياناً بالذاكرة العضلية، وهي تخص المهارات الفيزيائية كركوب دراجة، ورقص الباليه، والتنضيد.

  • الذاكرة الدلالية التي ترمّز المعاني والتعاريف والمفاهيم، أي الحقائق التي لا تجد جذوراً لها في الزمان أو المكان.

  • الذاكرة العرضية، والتي تُعرف أحياناً بذاكرة السيرة الذاتية، التي ترمّز تجارب ماضيك، وهذا ما يسمح لك بمعرفة الأشياء التي حدثت في حياتك.

لا شك أن الانسان لا يستطيع أن يصل الى مرحلة التذكر الكلي. لكن التطور التقني جعلنا نقف على أعتاب القدرة على ذلك.

 

التذكر الكلي

عبارة يرددها كثيرون " إني أفقد عقلي" صحيح أننا نفقد شيئا من عقولنا جميعاً. لكن ماذا لو كان بمقدورك تجنب هذا القدر؟ ماذا لو لم تعد تنسى دائماً أبداً، بل وكان لديك تحكم كامل بما تذكره ومتى تذكره؟

بفضل التطورات التكنولوجية، سيكتسب المرء القدرة على التذكر الكلي، سيكون بإمكانه أن يستجمع كل شيء رآه أو سمعه أو فعله في الحياة، وسيكون لديه السيطرة الكاملة التي ستمكنه من التذكر بالقدر الذي يرغب فيه، لديه مفكرة رقمية، ذاكرة دائماً إلى جانبه. وبفضل التقنيات المتطورة في عالم الكاميرات الرقمية والتسجيل الصوتي الرقمي وبرمجيات وتطبيقات الحفظ والاسترجاع سيكون المرء قادراً على التذكر الكلي.

لقد بات الانسان يعيش في حقبة التذكر الكلي، فأيا كان علاقته التي أخترقها بعالم التكنولوجيا، فله أن يختار “تدويناً لحياته" شاملاً، وأن يكرّس جهداً أكبر لزيادة ذواكره الرقمية إلى الحد الأقصى، ويمكنه أن يُفضل تسجيل نشاطاته على نحو أكثر تواضعاً وانتقائية.

 

الغيمة السحابية

لا شك أن ثورة التذكر الكلي جعلت الكومبيوتر المكتبي يدخل في عالم الأفول والغياب، وهذا الشيء توقعه أهل وادي السليكون منذ سنوات عديدة، PC يدخل في عالم الانحسار، ولكن لا يعني ذلك أنه سيختفي، وسيبقى حرف ال P ليدل على كلمة شخصي Personal، وسيصبح في الواقع أكثر شخصية منه في أي وقت مضى. أما حرف C فسيتغير من Computer، ليستخدم حرف C للدلالة على الغيمة Cloud، وهي ستكون عبر شبكة الانترنت، وهي المكان الذي تخزن فيه البيانات وتنفَّذ فيه البرمجيات، هناك، في الأثير المجرد للفضاء السيبراني وليس كومبيوترك الشخصي. في الغيمة حيث سيتم حوسبة معلوماتك، ستصبح بياناتك مستقلة من خصوصية التجهيزات، وستتبعك بياناتك الرقمية أينما ذهبت، حيث سيكون الوصول إليها ممكناً من أي جهاز قد تستخدمه.

أخيرا لا يبدو أن تطور تكنولوجيا المعلومات وتقنيات التذكر الكلي سيساعدنا فيما يتعلق بالذاكرة الإجرائية، ولكن ذواكرنا البيولوجية الدلالية والعرضية يمكن أن تتوسع بالذواكر الرقمية، وهذا ما يحصل في زماننا المعيوش.

 

 

 

العودة إلى الصفحة الرئيسية

رزنامة الإتحاد

جميع الحقوق محفوظة لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية