ثمة تغييرات كثيرة وكبيرة في الممارسة الصحفية في الوقت الراهن، أحدثتها التطورات التكنولوجية وبروز وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل أبرز مظاهر هذه التغيرات ما نشهده اليوم من أساليب جديدة في مجال إنتاج وعرض المحتوى في أوساط الصحافة المحترفة أو التقليدية، وفي السطور التالية نقف على جانب يتم التركيز عليه كثيرا في مؤسسات الصحافة التقليدية هذه الأيام، وهو ما يعرف بالصحافة المتأنية.
الصحافة المتأنية مصطلح جديد في عالم المهنة، ويبدو أنه صادر من بين العديد من النقاشات التي تدور حول حال مهنة الصحافة ومآلها في ظل ما يعرف بالعصر الرقمي، الذي شهد ما يمكن تسميته التخلي عن كثير من قواعد العمل الصحفي ومحدداته المهنية وموجباته الأخلاقية، من أجل السرعة، أي سرعة نشر الأخبار في سياق التنافس بين وسائل الإعلام وبعضها البعض، أو بين هذه الوسائل ووسائط التواصل الاجتماعي.
في ظل العصر الرقمي الذي شهد بروز وسائل التواصل وإمكانياتها الهائلة في نقل الأخبار ومشاركتها، أصبحت السرعة في نشر الأخبار تمثل هاجسا للعديد من المؤسسات الصحفية التقليدية التي وفي سبيل السباق مع تويتر وفيسبوك وأخواتهما من وسائل التواصل، أصبحت تتنازل عن العديد من الشروط المتعارف عليها في ما يتصل بالدقة والتحقق من صدقية المعلومة.
وتعتمد هذه المدرسة الجديدة من الصحافة -إذا جاز لنا تسميتها بذلك- على مبدأ (We value being right above being first)، أي تقديم قيم الدقة والمصداقية والشمول على السبق، وتبرر ذلك بأن التأني يعطي فرصة لمزيد من التجويد، ويشبع احتياجات مستهلك المحتوى الإعلامي.
وتلجأ هذه المدرسة إلى القيم التي ينتظر أن تلتزم بها مهنة الصحافة، والتي يجب أن تراعي إلى جانب السرعة والدقة مسائل السياق والتحليل وآراء الخبراء.
ويقول المتحمسون لهذا التوجه إنه وفي الوقت الذي تلجأ فيه العديد من المؤسسات الصحفية إلى تقليل أعداد العاملين لديها عبر خفض الميزانيات الخاصة بالتحرير والتوجه لسد النقص عبر الاعتماد على ما يبث عبر الوكالات، فإنهم ينحون منحى آخر مخالف لذلك التوجه، ويعتمد في الأساس على توظيف الميزانيات المرصودة للتحرير لتقديم إنتاج صحفي حقيقي ومتميز، وصولا إلى إشباع الرغبة الحقيقية للقارئ في الحصول على معرفة حقيقية.
وتركز هذه المدرسة على جانب آخر على درجة من الأهمية، ألا وهو توضيح النهايات والنتائج المنطقية للقصص الإخبارية، ففي ظل سيادة مبدأ السرعة في العمل الصحفي يظل القراء ولأيام يتابعون قصة إخبارية معينة، وبمجرد ظهور قصة جديدة يتحول اهتمام وسيلة الإعلام المعنية إليها، تاركة متابعي القصة الأولى في حيرة وارتباك وحاجة حقيقية لمعرفة نهاياتها.
أما الصحافة المتأنية فترى أن من حق متابع القصة الأولى أن يعرف نتيجتها وصورتها الكاملة دون نقصان، ولذلك فهي ترى أن تهتم المؤسسات الصحفية بهذا الجانب وذلك من خلال تقديم إنتاج صحفي يهتم بالعمق.
المصدر: الجزيرة نت
العودة إلى الصفحة الرئيسية